مقتبسات وفوائد من الكتاب الماتع (أسطورة الوهابية) تأليف الكاتب الأمريكي جايمس أوليفر


في كتابه (الأسطورة الوهابية) يلخص حنيف جيمس أوليفر، مبادئ (الطائفة السلفية) بأسلوب سهل مفهوم، مستخدماً مصادر مختلفة، ومستحضراً بعناية حجج نقاد السلفية أو (الوهابية) ومعالجاً (الأوهام) التي تكتنف هذه الانتقادات. وبشكل خاص، الاعتقاد السائد بأن أسامة بن لادن سلفي \ وهابي. ويبدّد أوليفر هذه الأسطورة بشكل مثير،
كاشفاً عن طبيعة (الطائفة) التي أثارت بن لادن وجعلته يصبح زعيماً للحركة الوهابية. ويستشهد بكارين آرمسترونغ الذي تحدّث عن الاختلاف بين طائفة أسامة بن لادن (القطبية) نسبة الى (سيّد قطب) وبين السلفية\وما يسمى بالوهابية في مقالة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية تحت عنوان: ((ماركة الإرهاب الكاثوليكي التي لم تستخدم أبداً عن IRA الجيش الجمهوري الإيرلندي))

لقد أكد آرمسترونغ أن ((أسامة بن لادن لم تـُلهمه الوهابية، لكنّه ألهم بكتابات المذهبي المصري سيّد قطب الذي أعدمه الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1966. وتقريباً كل حركة أصولية متطرفة في الإسلام السُنّي، متأثرة بشكل كبير بسيد قطب، ولهذا فإن من المستحسن دعوة كل عنف يرتكبه أتباع بن لادن بأنه (الإرهاب القطبي). لقد حث سيد قطب أتباعه على الانسحاب من أخلاقيات البربرية الروحية للمجتمع الحديث وقتال هذا المجتمع حتى الموت)).

ولهذا يرى آرمسترونغ ((أن المجتمع الغربي يجب أن يتعلم الكثير بشأن مفكرين إسلاميين متشدّدين مثل (سيد قطب)، وأن يدركوا بشكل جيد الظلال المختلفة للرأي في العالم الإسلامي. هناك الكثير جداً من الفرضيات الواهنة وغير الدقيقة والتي لم تتعرّض للفحص والاختبار عن الإسلام).

إن الوهابية -كما يقول المفكر السياسي أوليفر- كـُنية لا تعني شيئاً عند الغربيين، سوى أنها مصطلح يوصف به غالباً أولئك المتمسكين بقوة بظاهر آيات القرآن الكريم، وبروايات حديث النبي محمد (ص) في كل شؤونهم الدينية. ولذلك، فإن هؤلاء بدلاً من ان يهاجموا الإسلام بشكل مباشر بسبب هذه الأشياء التي تتوافق مع رغباتهم الدفينة، فإنهم يدعون كل من يتبع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، بأنه من (الوهابيين). وثمة استعمال معاصر آخر مختلف لهذا المصطلح، هو أن أي شخص يرجع في آرائه إلى المجموعات أو الحركات السياسية الدينية ذات الطابع (القطبي) التي تدعو إلى الانقلابات السياسية، وتؤمن بصيغ (الجهاد الأعمى) اللانهائي والمستند الى مبادئ لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي، وتقاد من قبل عناصر (قيادية) ليس لها معرفة وخلفية ثقافية إسلامية رصينة، يدخل ضمن مجموعة المظلة الكبيرة (الوهابية). إن هذا يحدث برغم أن أتباع سيد قطب يحتقرون العلماء السلفيين\الوهابيين ومذهبهم. وفي الحالة الأولى -يوضح أوليفر رأيه- تستعمل الوهابية لتعني (أي شيء لا نحبه في الإسلام) وفي الحالة الثانية، تعني (أي شيء لا نحبه في ما تعمله الحركات القطبية) أي أشياء ليس لها قاعدة في الإسلام. إن وسائل الإعلام وعموم الناس مدعوون ليبدأوا بشكل حقيقي دراسة مبادئ السلفية\الوهابية والكتابة أو التحدث عنها بدقة، خاصة أن الحرب ضد الإرهاب -كما يبدو- تتحوّل الآن إلى (حرب ضد الوهابية).

إن بعض المثقفين الغربيين يحاولون عمل شيء بهذا الاتجاه، لكنهم (قلة) ومتباعدون، ومعرفتهم بطبيعة السلفية محدودة. ومن هؤلاء البروفيسور كيري ليوب، أستاذ التاريخ ومنسّق برنامج الدراسات الآسيوية في جامعة توفتز، أثار السؤال التالي المتعلق بهذا التيار: ((في المملكة العربية السعودية نفسها، هل الوهابية تهدّد حقيقة المحافظين الجدد؟)). يقول ليوب إن البروفيسور جون إيسبوزيتو مدير مركز التفاهم الإسلامي-المسيحي في جامعة جورج تاون، يرى ذلك بشكل آخر. ويستشهد البروفيسور غريغوري غوس أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمنت، عندما حذر لجنة فرعية في مجلس النواب االأميركي، متخصصة بشؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بشأن (الاتجاه الخطر) لربط (الوهابية) بالإرهاب، وأوضح أن هذه الظاهرة ليست سعودية أو وهابية في أي صعيد حصري. إنها -ظواهر الإرهاب- جزء من حالة الانحرافات في روح العصر التي تسود العالم الإسلامي الآن. وإنه لأمر حقيقي، ولا شك فيه، أن شبكة القاعدة كانت قادرة على تجنيد الكثيرين من السعوديين. ولكنْ سيكون من الخطأ الفادح الربط الساذج بين (الوهابية) وبين ما يُسمى (رسالة الجهاد في القاعدة).

وقال البروفيسور غوس -مبيناً أنه على الرغم من أن بعض رجال الدين والمثقفين السعوديين يدعمون رسالة القاعدة، بملاحظة أن هؤلاء من داعمي مذهب سيّد قطب، أي أنهم قطبيون- إن الأغلبية الكبيرة من علماء السلفية\الوهابية، تشجبها، وعلاوة على ذلك -غوس يضيف- فإن القاعدة كانت قادرة على تجنيد الكثيرين من المقاتلين والداعمين في بلدان عديدة، كمصر والباكستان، وفي كليهما لا تعد الوهابية تياراً ثقافياً بارزاً!.

هل (الوهابيون) خطرون وغادرون؟. يقول أوليفر في كتابه إنّ العلامة الفقيه الإمام محمد بن صالح العثيمين -قبيل وفاته- قدم نصيحة للمجتمع السلفي في المدينة البريطانية (برمنغهام) عبر شبكة ربط تلفونية من المملكة العربية السعودية. تحدث عن موضوعات عديدة مختلفة. ووجه السلفيين الشبّان في بريطانيا لجانب الصلة والعلاقة بين المسلمين وغير المسلمين.
قال: ((بالطريقة نفسها، أدعوكم إلى احترام أولئك الناس الذين لهم الحق في أن يكونوا محترمين، خاصة أن بينكم وبين هؤلاء اتفاق. وبسبب عيشكم في الأرض التي تقيمون فيها هناك اتفاق بينكم وبينهم. وبغير هذه الحالة فإنهم إما يطردونكم أو يقتلونكم. لهذا حافظوا على الاتفاق، ولا تغدروا به، لأن الغدر والخيانة من أمارات المنافقين، وهي ليست طريقاً للمؤمنين. واعلموا أن النبي محمد ص قد أوصى أن الذي يقتل شخصاً خروجاً على اتفاق بينهما فإنه لن يشم عطر الجنة)). وأضاف: ((لا تنخدعوا بأقوال أولئك الحمقى الذين يقولون: إن هؤلاء الناس ليسوا مسلمين، ولهذا فإن ثروتهم حق لنا. وأقسم بالله: هذا كذب، كذب على دين الله، وكذب على المجتمع الإسلامي. تمسكوا بهذه الحقيقة. يا أخوتي، أيها الشباب، أيها المسلمون: التزموا القانون في بيعكم وشرائكم، وفي الاستئجار، وفي كل صفقة، وفي جميع الأعمال المشتركة أو المتبادلة. لأن هذه الأشياء من خصائص المؤمنين، والله جل وعلا يأمرنا بهذه الحقيقة. أيها المؤمنون التزموا بواجباتكم حيال الله)). وقال إن النبي (ص) يحث على الصدق وأكد على الالتزام به لأن الصدق يقود الى الحق والحق يقود الى الجنة، والمرء يظل صادقاً، ويكافح من أجل أن يكون صادقاً، الى أن يكتب عند الله من الصادقين.
وحذر الشيخ العثيمين من البُطلان، وقال: ((احذروا البطلان، لأن الزيف يقود إلى الشر، والشر يقود الى النار. وكل من يستمر في الكذب، سيظل يعمل بالكذب الى أن يكتب عند الله كذاباً أشرا)). وأضاف: ((أيها الأخوة المسلمون. أيها الشبان: كونوا صادقين في أقوالكم مع أخوتكم، ومع أولئك الناس غير المسلمين الذين تعيشون معهم. لأنكم بأعمالكم ستكونون دعاة إلى الإسلام. وفي الحقيقة -كما نعرف- أن الكثيرين دخلوا في الإسلام بسبب سلوك وأخلاقيات المسلمين، وصدقهم، وكونهم مخلصين في تعاملاتهم)). ستيفن شوارتز..والوهابية!

يتساءل أوليفر في كتابه (أسطورة الوهابية) قائلاً: هل تحدث ستيفين شوارتز بإنصاف عن الوهابية؟. لقد قال: ((إنهم يكرهون الجانب الروحي في الإسلام، أو الصوفية، بقدر ما عبّر البروتستانت عن استيائهم من عبادة القديسين، ومن تقديسهم للمعجزات في إطار الكنيسة الرومانية)). وشوارتز، صاحب مقال (الإرهاب والإسلام) الصادر في 25 أيلول 2001، وفي مقالته التي نشرها في 30 تشرين الثاني 2001 في ناشيونال ريفيو تحت عنوان (التحرير وليس الاحتواء) التي تحدث فيها عن كيفية ربح المعركة ضد الوهابية، دعا إلى تدمير مكة، المدينة المقدسة عند المسلمين. وكان أحد قرائه قد اقترح نسفها بالقنبلة الذرية أو نسف إحدى مدن الإسلام: بغداد، طهران، غزة، رام الله، دمشق، القاهرة، الجزائر، طرابلس، الرياض. وأوضح أوليفر أن البشرية عانت طويلاً من مثل أفكار الانتقام هذه. وعلى المنهج الأحمق الشرير نفسه، نشر آن كولتر مقالاً سيء السمعة في ناشيونال ريفيو بتاريخ 13 أيلول 2001، قال فيه إن الولايات المتحدة قد غـُزيت من قبل طائفة إسلامية متعصبة، ولهذا يجب أن تغزو بلدانها، وتقتل زعماءها وتحولهم الى المسيحية. وبالتحديد بعد أحد عشر يوماً من هجمات 11 ايلولر الإرهابية في الولايات المتحدة، نشرت مجلة مقرها بريطانيا تسمى (ذي سبيكتيتور) أي (المشاهد) قصة غلاف بقلم ستيفن شوارتز بوصفه خبيراً معادياً للوهابية، تحت عنوان (ساعة الصفر وعلاقة السعودية) بين فيها الآتي بصدد الوهابية: ((قبل كل شيء، يكره الوهابيون الروحانية المتفاخرة، تماماً كما يمقت البروتستانت القديسين والمعجزات)). في مقال آخر نشره تحت عنوان (الإرهاب والإسلام) اقتبس شوارتز من طائفة الصوفية النقشبندية قولها: ((إن الوهابيين يكرهون الجانب الروحي في الإسلام أو الصوفية..الخ)).

وفي الحقيقة -يقول أوليفر- نعم إن السلفيين لا يحترمون (الروحانية الصوفية) بمعنى (التوهج). ومنذ أن أخذ شوارتز على عاتقه التحدث كثيراً عن الوهابية، يجد أوليفر أن من العار أنه لم يقرأ الأعمال التي كتبت من قبل علماء السلفية. ولو أنه فعل ذلك لمرّ على الكثير من القيم التي تتضمنها كتبهم في جانب تزكية النفس، أو الروح. ويضيف أوليفر ناقداً توجهات شوارتز: وسط كل هذه الإيضاحات التي تعكسها كتب السلفية، إن المرء ليتساءل هل التقط شوارتز ذات يوم القرآن الكريم وقرأه؟. هل يعرف أن القرآن من بدايته الى نهايته، يتضمن أنواعاً مختلفة من الحث على التوحيد وتطبيقه، والتحذير الأكثر قوة من الشرك بالله، ومن عبادة الناس المقدسين، بضمنهم الموتى، كما يحدث ذلك عند عدد كبير من الصوفيين، ومن أناس آخرين ينتمون الى طوائف إسلامية معروفة، بحسب تعبير أوليفر. فضلا عن ذلك، نشرت ناشيونال ريفيو مقالاً تحت عنوان (التحرير لا الاحتواء: كيف نربح حرباً ضد الوهابية) قارن فيه شوارتز بين الوهابية والنازية. وفي المقال نفسه، قرنها أيضا بـ(الفاشية الإيطالية). ومن دون الشعور بأية وخز نفسي، اندفع شوارتز في مقارنة الوهابية بـ(الشيوعية السوفيتية) لأنها كما يزعم ((تجند الكوادر عبر العالم))، ثم عمد الى مقارنتها بـ(العسكرتاريا اليابانية) لأنها تعمل بلا رحمة. ويبدو أن شوارتز الذي يحمل كراهية حادّة للوهابية-كما يرى أوليفر- قد انقاد بعيداً عن الموضوعية الهادفة، وانغمس في هيجان طفولي بتوجيه انتقادات لا أساس لها من الصحة، وأيضا باتخاذ موقف يدعو الى الانتقام والدمار والغزو والحروب التي يمكن أن تسفر عن جرائم كونية وكارثية جداً في نتائجها. لقد كشف شوارتز عن عجز في الفهم عندما أرجع الوهابية الى مجموعات هامشية مثل طالبان وحزب الله، على الرغم من أن حزب الله يضم شيعة لبنانيين مدعومين من إيران، فيما تعد طالبان ديوباندية صوفية. وفي كلامه عن (الحرب المضادة للوهابية) يقول: ((فقط في عالم تهزم فيه الوهابية، يمكن أن نأمل بسلام عالمي، وبوجود إسلام شرعي مسالم)). وفي زعمه بالحرص على مصير الإسلام والمسلمين، يؤكد شوارتز حماقته الصحفية، وغياب نزاهته، بالخلط بين الأيديولوجية القطبية المعاصرة لأسامة بن لادن مع مفاهيم الطائفة السلفية الأرثوذوكسية، وفيما بعد يستنتج أن (الحرب المضادة للوهابية) يجب تبدأ في المملكة العربية السعودية، حيث (يوجد العدو) كما يزعم شوارتز الذي يقول: ((إن الحرب ضد الإرهاب، أيضا، يجب تبدأ حيث يوجد العدو، وذلك يعني جميع البلدان الإسلامية. والوهابية قد أعلنت الحرب حتى الموت ضدنا، كما فعل النازيون والشيوعيون. ولذا يجب أن نقاتل الوهابية حتى الموت، ليس لضمان بقائنا وحده، ولكن من أجل الإسلام نفسه، كدين عظيم ومن أجل الحضارة. بن لادن وداعميه السعوديين، يهددون بتحطيم العالم وإحراقه كما فعل هتلر في برلين. ولكن فقط بعد أن حررنا الألمان من هتلر، واليابانيين من توجو، نستطيع تحرير المسلمين من بن لادن، ومن السعوديين المتواطئين معه)). ويعلق أوليفر على ذلك بقوله: بسبب هذه التشخيصات غير المتوازنة، لا يمكن عد شوارتز ناقداً موضوعياً لـ(الوهابية) بأي شكل من الأشكال، وليس من المفيد إطلاقاً عدّه مرجعاً في القضايا الإسلامية.

هل أسامة بن لادن (وهابي) في حقيقته؟. إنّ مصطلح (وهابي) غالباً ما يستعمل لأغراض غير (نزيهة الغرض) بحسب رؤية أوليفر .. وفي 30 -أيلول 2001، كتب روجر هاردي، محلل شؤون الشرق الأوسط في البي بي سي مقالاً تحت عنوان ((من داخل الإسلام الوهابي)). لقد لاحظ هاردي نفسه أن مصطلح (الوهابي) يستخدم لأغراض خاطئة، وبطريقة منفلتة. وأجهزة الإعلام الروسية على سبيل المثال، تستخدمه كمصطلح للتعبير عن سوء النشاطات الإسلامية في آسيا الوسطى، والقوقاز، وكذلك في روسيا نفسها، ناهيك عن استخدام (مصطلح الوهابية) من قبل الإعلام الغربي في الإشارة الغامضة و(الانتقاصية) من الأصولية الإسلامية.

ويقول أوليفر: من المؤسف أن يسقط هاردي في الفخ نفسه بعدم دقته في فهم هذا المصطلح، عندما يبين أن أسامة بن لادن (وهابي) قائلاً: ((إن أسامة بن لادن، الذي سمّاه مسؤولو الولايات المتحدة المشتبه به الرئيس في هجمات 11 ايلول ضد أميركا، هو سعودي المولد، ووهابي)). إن الخطأ الذي وقع فيه هاردي حتى الآن، افتراضه أن بن لادن لمجرد أنه ولد في السعودية، وترعرع فيها، فإنه بالضرورة يكون (وهابياً). وفي الحقيقة، إن هذا الاستنتاج سطحي، وقد تكرر ذكره في وسائل الإعلام، ولهذا يستحق التفنيد.

وأوضح أوليفر أن أسامة بن لادن انحدر من عائلة يمنية، كانت تقطن حضرموت، القسم الساحلي من اليمن، والمعروف على نطاق واسع، بأنه قاعدة لطائفة خاصة من المسلمين تسمى (الصوفية). والصوفية يمكن أن يُلخص مفهومها سريعاً بأنه نقيض (الوهابية). وبن لادن نفسه، لا يبالي أو ليس مهتماً بفروقات مذهبه، والبعض من إيضاحاته وبياناته يشير إلى أنه مازال يعترف بممارساته الصوفية الأكيدة. كما أنه اعتنق طالبان لأنها تضم أصدقاءه وحماته، ومعروف على نطاق واسع أن الأغلبية العظمى من هذه المجموعة تنتمي إلى الحركة الديوباندية الصوفية. من جانب آخر، فإن التباين أو التفاضل لم يجر إلا بين التوضيح أن بن لادن يعترف بالممارسات المؤكدة للصوفية، وبين الادعاء بأنه صوفي قح.

ومن الحري القول أن بن لادن قد أظهر أنه غير مهتم بأمور الاعتقاد والعبادة التي يهتم بها السلفي نفسه، لأن أتباع الطائفة التي ينتمي إليها بن لادن، أي (القطبية) نسبة الى سيد قطب، لا يميّزون بين أمور الاعتقاد، طالما أن الناس يلتزمون بـ(حركتهم).

والخطأ الآخر في التسمية، والذي أعيد تكراره في وسائل الإعلام السائدة، هو فكرة أن طالبان تتكون من (الوهابيين). يقول أوليفر: في 10 كانون الأول من سنة 2001، كتب رون كامبيس مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست، قال فيه إن ((إن الوهابية عقيدة متزمتة، ترفض التغيير. وهي نمط إسلامي يقود طالبان)). وهذا في الحقيقة خطأ عظيم آخر، والذي يشير إلى أولئك الذين يردّدون هذه المزاعم، مقتربين من هذه الأمور المعقدة بأساليب غاية في السذاجة. وبرغم أن مقالة روجر هاردي في البي بي سي أخطأت في تبيان أن أسامة بن لادن (وهابي)، فإنه -على العكس مما كتبه رون كامبيس- بقي واضحاً في تكرار هذا الخطأ، عندما عالج عنوان حركة طالبان الصوفية، قائلاً: ((لكن أتباع طالبان ليسوا وهابيين، إنهم يرجعون إلى ما يُعرف بالحركة الديوباندية، التي تُسمّى نسبة الى مدينة صغيرة اسمها ديوباند تقع في جبال الهملايا الهندية. وقد أسست هذه الحركة في هذا المكان في ستينيات القرن التاسع عشر، أي 1800 وما بعدها، خلال فترة الحكم الاستعماري البريطاني للهند)). وفي 9 تشرين الثاني 2001، نشر حامد مير مقالة في صحيفة (الفجر) اليومية الباكستانية مع أسامة بن لادن، قبيل سقوط كابول عاصمة أفغانستان، سأله فيها: ((بعد القصف الأميركي لأفغانستان في 7 تشرين الأول، أنت أخبرت فضائية الجزيرة أن هجمات 11 أيلول قد نفذت من قبل بعض المسلمين. كيف عرفت أنهم مسلمون؟)). فأجاب أسامة بن لادن قائلاً: ((الأميركان أنفسهم كشفوا قائمة بالمشتبه بهم في تنفيذ هجمات 11 أيلول، قائلين إن الأشخاص المتهمين بالهجمات مسلمون، و15 منهم يحملون الجنسية السعودية، واثنان كانوا من الإمارات العربية المتحدة، وواحد من مصر.
وطبقاً للمعلومات التي لديّ، كان هؤلاء جميعاً مسافرين. وقد أقام أهلوهم مجالس الفاتحة على أرواحهم، لكن أميركا تقول إنهم كانوا خاطفين)).

ولكنْ هل يحب أسامة بن لادن الوهابيين؟.

يجيب أوليفر قائلاً: في مقابلة ظهرت في مجلة (نداء الإسلام) الجهادية\التكفيرية، تصرف بن لادن بأسلوب تكفيري غير مقيد، عندما أعلن أنهم تركوا الإسلام مطوياً، ولاذوا بحكومات مسلمة تحكم في هذه الأيام، وقال: ((في الوقت نفسه، إن بعض هؤلاء الزعماء مشغولون بأعمال كبيرة غير مؤمنة، تنحرف بهم عن طوية الإسلام، وفي وضح النهار وأمام كل الناس، تصدر فتاوى من منظماتهم الإسلامية، وبشكل خاص تتحدث عن دور المنظمات الإسلامية مثل (العلماء السلفيين) في بلد فيه مسجدان مقدسان كالسعودية التي لها أدوار مشؤومة، وهؤلاء العلماء يشرفون على هذه الأدوار سواء بطريقة مقصودة أو غير مقصودة. والأذى الذي جلبته جهود هؤلاء، لا يختلف عن دور الأعداء الأكثر تحمّساً ضد الأمة)). وفيما هو مستمر في الإشارة الى منظومة علماء السلفية في المملكة العربية السعودية، يشدّد بن لادن في إدانة لجنة الفتاوى الدينية، والتي يتهمها بالعبادة خارج السياقات التي يأمر بها الله، طبقاً لتعبيره!. وعندما نفكر في هذا كله -يقول أوليفر- فإن المرء يتساءل، كيف يكون ممكناً ومفهوماً أن أسامة بن لادن، وأتباعه هم من (الوهابيين) كما يتكرر مثل هذا الزعم في وسائل الإعلام الغربية.

ولكنْ -يتساءل مؤلف كتاب أسطورة الوهابية- هل الوهابيون مثل أسامة بن لادن؟.
وهنا يستشهد بقول العلامة الفقيه الإمام المفتي عبد العزيز بن باز:
((لذا فإن نصيحتي الى المصري، والفقيه، وبن لادن، وإلى أولئك الذين يقتفون أثرهم، هو ان يتركوا هذه الطريق الكارثية، وأن يخافوا الله، ويحذروا غضبه وانتقامه، وأيضا بالعودة الى طريق الهدى، والندم وطلب التوبة عما سبق منهم)). وقبل فترة طويلة ربما لم يمرّ بها صحفيو هذه الأيام -يقول أوليفر- كانت هناك فئات معروفة بانتمائها إلى (سيد قطب) وإلى (الخوارج) الأكثر تشدّداً وتزمتاً، والتي حذر منها العلماء السلفيون على امتداد الأرض، ووجهوا الناس بمخاطر نظريتها (الإرهابية المؤدجلة) وما سينجم عنها بالضرورة!. إن التحذير حول شرور بن لادن، والقاعدة، والفئات (القطبية) في عمومها،

جاء على لسان العلامة المحدث الدكتور محمد بن هادي المدخلي، الأستاذ في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، إذا قال بالنص: ((إن هؤلاء الذين قاموا بالتفجيرات في المملكة اعترفوا بأفواههم أنهم تأثروا بجماعة التكفير -وهي واحدة من المجاميع القطبية في مصر- وبأنهم ينتمون الى مجموعة تابعة لأسامة بن لادن، والمصري، وأنهم ينشرون أفكارهم...أسامة بن لادن..من علم هذا الرجل؟. هو رجل أعمال، هذا هو حقل اختصاصه...لقد اعترفوا كما قلنا، بألسنتهم، ونحن رأينا ذلك وقرأناه في الصحف، وأنا لدى هنا تسجيلات خاصة بأصواتهم، يعترفون بأنهم متأثرون ببعض الناس من جماعة التكفير، أي من مجموعات القطبية في أفغانستان. إن أغلبية شبابنا الذين عادوا من الجهاد في أفغانستان الى المملكة كانوا متأثرين بذلك، إما بأيديولوجية الأخوان المسلمين في العموم، أو بالعقيدة التكفيرية الانقلابية. لهذا فإنهم تركونا نعتقد أنهم مسلمون وأنهم عادوا إلينا ونحن كفرة. ولهذا نظروا إلينا على أننا كفرة، الحكام، والعلماء، ومن دون الحاجة لذكر عموم الناس. لقد اعدوا الدولة السعودية مرتدة عن الإسلام، وعدّوا أغلبية العلماء مرتدين. لقد اعترفوا بذلك بألسنتهم. وأعلنوا أن العلماء كفرة، وذكروا على وجه التحديد إثنين من الشيوخ: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن العثيمين. واعترفوا باتصالهم مع المصري، ومع أسامة بن لادن. فهل هم جاءوا بذلك من العلماء السلفيين؟. لا!. إنهم أخذوا كل شيء من جماعة التكفير)).

ويختتم حنيف جيمس أوليفر مؤلف كتاب (أسطورة الوهابية) بحثه هذا بالقول:
لقد أصبح واضحاً للجميع كيف يجب أن ينظروا إلى (الأيديولوجية الثورية الانقلابية للقطبية) وأنها شيء جديد، جرى تصديره الى بلاد الوهابيين، وهي نداء للمواجهة المباشرة مع من يسمّون (الوهابيين\السلفيين). إن الوهابيين هم أول من يعدون خارجين على الإسلام بنظر هؤلاء الذين يتّبعون تعاليم (سيد قطب) المصري الذي أعدمه جمال عبد الناصر سنة 1966.

انتهى
ترجمة : سلسلة دراسات كتبها: مفكرون غربيون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق